د. أحمد يعقوب المجدوبة
ارتفعت مؤخراً بعض الأصوات في العالم العربي، منها ما هو رسمي ومنها ما هو شخصي، تنادي بالانفتاح على إسرائيل والتطبيع معها قبل أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها عنوة، واحتفظت بها زوراً وبهتاناً ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية وبكل مواثيق حقوق الإنسان.
تضطهد إسرائيل الفلسطينيين والعرب، وتقتل المدنيين العزل، وتتنصل من الاتفاقيات والتفاهمات التي أبرمتها مع بعض الأطراف العربية، ويخرج علينا في التوقيت الخاطئ جداً نفر من العرب يدعون إلى إنشاء علاقة حميمة مع إسرائيل، كأنها دولة مسالمة متحضرة ليس لنا في ذمتها أشياء كثيرة. لا بل إن بعضهم نصب نفسه مدافعاً عن حقها في العيش بسلام، كأنها لم تغتصب أرضنا ولم تقتل شعبنا.
على أي كوكب تعيشون؟
لو أن إسرائيل انسحبت من الأراضي المحتلة، وأعادت للعرب كامل حقوقهم، لربما تفهمنا مثل هذه الدعوات.، وهذه المشاعر الجياشة.
لكن أن تُطلق في هذا الوقت؟ لعمري إنه أمر مستغرب ومحيّر!
بالنسبة لبعض الساسة العرب الذين تبنوا هذا الموقف، نقول إنهم لا يعرفون إسرائيل، وبالتالي فإنّ موقفهم – في أحسن الظروف – ساذج، ولا يدل على أدنى معرفة، لا بدهاليز السياسة الإسرائيلية والأميركية وألاعيبها، ولا بتفاصيل تاريخ صراع العرب مع إسرائيل.
لقد جرب غيركم هذا الموقف ولم ينجح. لا بل إن كل من مدّ يده إلى إسرائيل أو فتح قلبه لها، خدعته وأفشلته وتمادت في غيّها وغطرستها واحتلالها.
أما إذا كان المقصود كسب ودّ إسرائيل وصداقتها كي تقف مع بعض الدول العربية ضد أخطار خارجية تهددهم، فهذه أيضاً سذاجة تنبع من تحليل خاطئ، لأن إسرائيل باغتصابها لأراضي العرب والفلسطينيين، وتماديها في سياساتها الشريرة، هي أكبر مهدد لأمن المنطقة واستقرارها، وإن من مصلحتها كدولة محتلة مستوطِنة مستعمِرة أن تفتعل الفتن وتعبث باستقرار المنطقة وتخلق الأزمات بهدف إبعاد الأنظارعن نفسها.
أما الأصوات التي تتحدث على المستوى الشخصي، فهم إما أبواق تردد ما يردد بعض الساسة المشار إليهم للتو، أو منتفعون على المستوى الشخصي، أو مجموعة بلهاء وحمقى.
الأمر المهم أن هؤلاء قلّة، وأنهم موجودون في كلّ دولة. بيد أنهم لا يمثلون شعوبهم، فالشعوب العربية من المحيط إلى الخليج طاهرة عفيفة نقية منتمية للأمة وللقومية العربية.
ولا يجب بأي حال من الأحوال أن نحسب هذه الفئة القليلة الضالة، هذه الفئة الخارجة عن أعراف العرب وشيمهم وأخلاقهم، على دولهم أو شعوبهم، فدولهم وشعوبهم منهم براء.
«في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون».